فصل: أمر الجراجمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.أمر السامرة:

420- حدثني هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو أن أبا عبيدة بن الجراح صالح السامرة بالأردن وفلسطين، وكانوا عيونا وأدلاء للمسلمين، على جزية رؤوسهم وأطعمهم أرضهم.
فلما كان يزيد بن معاوية وضع الخراج على أرضهم.
421- وأخبرني قوم من أهل المعرفة بأمر جندي الأردن وفلسطين أن يزيد بن معاوية وضع الخراج على أراضي السامرة بالأردن، وجعل على رأس كل امرئ منهم دينارين، ووضع الخراج أيضا على أرضيهم بفلسطين، وجعل على رأس كل امرئ منهم خمسة دنانير.
والسامرة يهود، وهم صنفان: صنف يقال لهم الدستان، وصنف يقال لهم الكوشان.
422- قالوا: وكان بفلسطين في أول خلافة أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله طاعون جارف ربما أتى على جميع أهل البيت.
فخربت أرضوهم وتعطلت. فوكل السلطان بها من عمرها، وتألف الأكرة والمزارعين إليها، فصارت ضياعا للخلافة، وبها السامرة.
فلما كانت سنة ست وأربعين ومائتين رفع أهل قرية من تلك الضياع تدعى بيت ماما، من كورة نابلس، وهم سامرة، يشكون ضعفهم وعجزهم عن أداء الخراج على خمسة دنانير.
فأمر المتوكل على الله بردهم إلى ثلاثة دنانير ثلاثة دنانير.
423- حدثني هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو وسعيد بن عبد العزيز أن الروم صالحت معاوية على أن يؤدى إليهم مالا، وارتهن معاوية منهم رهناء فوضعهم ببعلبك.
ثم إن الروم غدرت، فلم يستحل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم، وخلوا سبيلهم وقالوا: وفاء بغدر، خير من غدر بغدر.
قال هشام: وهو قول العلماء، الأوزاعي وغيره.

.أمر الجراجمة:

424- حدثني مشايخ من أهل أنطاكية أن الجراجمة من مدينة على جبل اللكام عند معدن الزاج، فيما بين بياس وبوقا، يقال لها الجرجومة.
وأن أمرهم كان في أيام استيلاء الروم على الشام وأنطاكية إلى بطريق أنطاكية وواليها.
فلما قدم أبو عبيدة أنطاكية وفتحها لزموا مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذا خافوا على أنفسهم، فلم ينتبه المسلمون لهم ولم ينبهوا عليهم.
ثم إن أهل أنطاكية نقضوا وغدروا، فوجه إليهم أبو عبيدة من فتحها ثانية، وولاها بعد فتحها حبيب بن مسلمة الفهري.
فغزا الجرجومة فلم يقاتله أهلها، ولكنهم بدروا بطلب الأمان والصلح.
فصالحوه على أن يكونوا أعوانا للمسلمين وعيونا ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية، وأن ينفلوا أسلاب من يقتلون من عدو المسلمين إذا حضروا معهم حربا في مغازيهم.
ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الأنباط وغيرهم وأهل القرى في هذا الصلح، فسموا الرواديف لأنهم تلوهم وليسوا منهم.
ويقال إنهم جاؤا بهم إلى عسكر المسلمين وهم أرداف لهم فسموا رواديف.
فكان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة ويعوجون أخرى فيكاتبون الروم ويمالئونهم.
فلما كانت أيام ابن الزبير وموت مروان بن الحكم وطلب عبد الملك الخلافة بعده لتوليته إياه عهده واستعداده للشخوص إلى العراق لمحاربة المصعب ابن الزبير، خرجت خيل للروم إلى جبل اللكام وعليها قائد من قوادهم، ثم صارت إلى لبنان وقد ضوت إليها جماعة كثيرة من الجراجمة وأنباط وعبيد أباق من عبيد المسلمين.
فاضطر عبد الملك إلى أن صالحهم على ألف دينار في كل جمعة، وصالح طاغية الروم على مال يؤديه إليه لشغله عن محاربته وتخوفه أن يخرج إلى الشام فيغلب عليه.
واقتدى في صلحه بمعاوية حين شغل بحرب أهل العراق فإنه صالحهم على أن يؤدى إليهم مالا وارتهن منهم رهناء وضعهم ببعلبك.
ووافق ذلك أيضا طلب عمرو بن سعيد بن العاصي الخلافة وإغلاقه أبواب دمشق حين خرج عبد الملك عنها فازداد شغلا، وذلك في سنة سبعين.
ثم إن عبد الملك وجه إلى الرومي سحيم بن المهاجر فتلطف حتى دخل عليه متنكرا، فأظهر الممالاة له وتقرب إليهم بذم عبد الملك وشتمه وتوهين أمره، حتى أمنه واغتر به.
ثم إنه انكفأ عليه بقوم من موالى عبد الملك وجنده كان أعدهم لمواقعته ورتبهم بمكان عرفه.
فقتله ومن كان معه من الروم، ونادى في سائر من ضوى إليه بالأمان.
فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق.
ورجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام وأتى الأنباط قراهم، فرجع العبيد إلى مواليهم.
وكان ميمون الجرجماني عبدا روميا لبني أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان وهم ثقفيون، وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه بجبل لبنان معهم.
فبلغ عبد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه أن يعتقوه ففعلوا.
وقوده على جماعة من الجند وصيره بأنطاكية، فغزا مع مسلمة بن عبد الملك الطوانة، وهو على ألف من أهل أنطاكية.
فاستشهد بعد بلاء حسن وموقف مشهود.
فغم عبد الملك مصابه وأغزى الروم جيشا عظيما طلبا بثأره.
425- قالوا: ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم وأتاهم قوم من الروم من قبل الإسكندرونة وروسس.
فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم في خلق من الخلق، فافتتحها على أن ينزلوا بحيث أحبوا من الشام، ويجري على كل امرئ منهم ثمانية دنانير، وعلى عيالاتهم القوت من القمح والزيت، وهو مديان من قمح وقسطان من زيت، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية، وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين، ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية، وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة، وعلى أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين.
فأخرب مدينتهم وأنزلهم فأسكنهم جبل الحوار وسنح اللولون (كذا) وعمق تيزين.
وصار بعضهم إلى حمص ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية، ثم هرب إلى بلاد الروم.
وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم، فرفعوا ذلك إلى الواثق بالله رحمه الله وهو خليفة فأمر بإسقاطها عنهم.
426- وحدثني بعض من أثق به من الكتاب أن المتوكل على الله رحمه الله أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة، وأن تجرى عليهم الأرزاق، إذ كانوا ممن يستعان به في المسالح وغير ذلك.
وزعم أبو الخطاب الأزدي أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيام عبد الملك على قرى أنطاكية والعمق، وإذا غزت الصوائف قطعوا على المتخلف واللاحق ومن قدروا عليه ممن في أواخر العسكر، وغالوا في المسلمين.
فأمر عبد الملك ففرض لقوم من أهل أنطاكية وأنباطها، وجعلوا مسالح، وأردفت بها عساكر الصوائف ليؤدبوا الجراجمة عن أواخرها، فسموا الرواديف.
وأجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير.
والخبر الأول أثبت.
427- وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد، عن مكحول قال: نقل معاوية في سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين إلى السواحل قوما من زط البصرة والسيابجة وأنزل بعضهم أنطاكية.
قال أبو حفص: فبأنطاكية محلة تعرف بالزط.
وببوقا من عمل أنطاكية قوم من أولادهم يعرفون بالزط.
وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل إلى أنطاكية قوما من الزط السند ممن حمله محمد بن القاسم إلى الحجاج.
فبعث بهم الحجاج إلى الشام.
428- وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك، فوجه صالح بن علي بن عبد الله بن عباس من قتل مقاتلتهم وأقر من بقى منهم على دينهم وردهم إلى قراهم، وأجلى قوما من أهل لبنان.
429- فحدثني القاسم بن سلام أن محمد بن كثير حدثه، أن الأوزاعي كتب إلى صالح رسالة طويلة حفظ منها: وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن قتلت بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت، فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة، حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم، وحكم الله تعالى أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: «من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه».
ثم ذكر كلاما.
430- حدثني محمد بن سهم الأنطاكي قال: حدثني معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري قال كانت بنو أمية تغزو الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة، وتقيم المراكب للغزو، وترتب الحفظة في السواحل، ويكون الإغفال والتفريط خلال الحزم والتيقظ.
فلما ولى أبو جعفر المنصور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها وحصنها وبنى ما احتاج إلى البناء منها، وفعل مثل ذلك بمدن الثغور.
ثم لما استخلف المهدي استتم ما كان بقى من المدين والحصون وزاد في شحنها.
قال معاوية بن عمرو: وقد رأينا من اجتهاد أمير المؤمنين هارون في الغزو ونفاذ بصيرته في الجهاد أمرا عظيما.
أقام من الصناعة ما لم يقم قبله، وقسم الأموال في الثغور والسواحل، وأشجى الروم وقمعهم.
وأمر المتوكل على الله بترتيب المراكب في جميع السواحل وأن تشحن بالمقاتلة، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين.